ἐλεύθερια "اِلىِوْثىِريا" (يونانيّة)
حريّة، اختيار، انتخاب
p. 161-182
Texte intégral
باللاتينيّة: liberum arbitrium, libertas بالفرنسيّة: libre arbitre, liberté بالألمانيّة: Willkür, Freiheit بالإنكليزيّة: freedom, liberty |
1ينتظم تعبير الحريّة وفق اشتقاقٍ مزدوج: بينما تغلِّبُ بعضُ اللغات فكرة النموّ الذي ينبسط وصولًا إلى نضوجه المتفتِّح (ἐλεύθερια "اِلىِوْثىِريا"، "libertas", "liberté")، يحدّد بعضها الآخر الحريّة، كما يذكر إيميل بينفينيست، انطلاقًا من "الانتماء إلى مجموعة تنحصر بأولئك الذين يسمّون بعضهم بعضًا بالأصدقاء" (freedom, Freiheit)، في حين أنّ اللغة الإنكليزيّة تمتلك التعبيرين ("liberty", "freedom"). إلّا أنّ الانشقاق الرئيسيّ، بالنسبة إلى تاريخ الفلسفة، يحدث بين المعنى اليونانيّ لكلمة ἐλεύθερια، "اِلىِوْثىِريا"، التي تحيل، عند أفلاطون على الأقلّ، إلى النضج المتفتِّح الذي يبلغه الطبع الفلسفيّ، والمعنى الذي انطوت عليه كلمة "libertas" في الفلسفة الوسيطة والحديثة، والذي ارتبط بحرية الاختيار وباختراع الإرادة.
١) الاشتقاق سبيلًا إلى معنى الحريّة الفلسفيّ اليونانيّ
2ما يثير الدهشة، في البداية، هو فائقُ الغنى الذي ينطوي عليه مصطلح الحريّة اليونانيّ. فإلى مفهوم "اِلىِوْثىِريا" (حريّة) الأساسيّ، تُضاف في الواقع صفة ἑϰών، "اِكوُن"، وصفة ἑϰούσιως، "اِكووْسيوُس"، "عن طيب خاطر". تحيل الصفة الأولى إلى استعداد الفاعل، في حين أن الثانية تحيل إلى الفعل المُنَفَّذ: يتعلّق الأمر بمصطلحٍ أساسيّ يتبيّن في مأساة أوريبيدِس، عندما يشير إلى رضى البطل بالموت، الذي يتعارض مع الموت المفروض من الخارج1، كما يتبيّن في الإشكاليّة الأفلاطونيّة المتعلّقة بالخطأ الذي يُقال إنّه "غير متعمّد"، والتي بموجبها "كلّ من يفعل الأفعال القبيحة والسيّئة إنّما يفعلها بغير إراداته"2؛ لكنّه يتبيّن أيضًا، بالعودة إلى الكتاب الثالث من "علم الأخلاق إلى نيقوماخوس"، في نظريّة القرار (προαίρεσις، "پروايرىِسيس") والتبِعة. وفي زمنٍ لاحقٍ، مفهوم τὰ ἔφʹ ἡμῖν، "تا اِف إِمين"، في سياقٍ رواقيّ، إلى "ما يتعلّق بنا" في تعارضٍ مع ما يرتبط بالقدر؛ ويترافق هذا المفهوم مع كلمة جديدة، το αὐτεξούσιον، "تو اوْتىِكْسووْسيون"، "فعل السيادة على الذات"، الذي يرافق كلمة ἐξουσία، "اِكْسووْسيا"، أي السلطة، السيطرة، لتشير إلى التحكّم بالذات. في النهاية، جميع المفردات الخاصة بالقصد والتمنّي والابتغاء والمداولة والقرار تدخل في النصوص التي ننزع إلى تأويلها، وفق منظورٍ حديثٍ، على نمطٍ واحدٍ تحت مسمّى "الحريّة". إلّا أن ترجمةً كهذه لا تنزع فقط إلى مجانسة معانٍ مختلفة وإلى تسطيح الغنى اليونانيّ، بل تُسقِط أيضًا على هذه المصطلحات المختلفة رسمًا تأويليًّا ينتج هو نفسه بالكامل من تطوّر تاريخيّ: نجازف إذًا في فهم أفلاطون أو أرسطو انطلاقًا من إشكاليّةٍ طرحتها القرون الوسطى أو الفلسفة الحديثة بشأن الحريّة، وهي غريبةٌ بالكامل عن أفقهما الفلسفيّ.
3عندما نتحدّث عن الحريّة باللغة الفرنسيّة، لا نقوم بالترجمة بقدر ما نقوم بتبديل موضع كلماتٍ لاتينيّةٍ، مشحونة بماضٍ فلسفيّ ثقيل. فالـ"libertas"، بالمعنى السكولائيّ (المدرسيّ) ثمّ الحديث، يتضمّن في الوقت عينه: ١- فكرةَ غياب الإكراه أو الإلزام (libertas a coactione) وفكرة التلقائيّة الخالصة؛ ٢- فكرةَ الإرادة التي لا يحدّدها شيء في اختيار هذا الموجب أو ذاك (libertas a determinationis, ad ultrumlibet)، والتي تستطيع بالتالي: التصرف أو عدم التصرّف (libertas quoad exercitium actus)؛ اختيار هذا الفعل أو الفعل المعاكس (libertas quoad speciem actus، حريّة تحدّد الفعل). يتوافق المنظور الثاني هنا مع مفهوم حرية الاختيار، كما صاغها مولينا في "تناغم حرية الاختيار مع عطايا النعمة الإلهيّة"، واستعادها ديكارت جزئيًّا في "التأمّلات"3: "نحسبه فاعلًا حرًّا ذاك الذي، بعد أن طُرِحت جميع الشروط المطلوبة لعمله، يستطيع أن يتصرّف وألّا يتصرّف، أو أن يتصرّف على هذا النحو الذي، إذا أتمّ فعلًا من الفعلين المضادين، كان بوسعه مع ذلك إتمام الفعل الآخر"4. "فالحريّة" كما نفهمها إذًا، تجمع المفاهيم التالية: غياب الإلزام، والتلقائيّة، وعدم المفاضلة في الاختيار، والتحديد الذاتيّ.
4لا يتعلّق الأمر هنا بإنكار أنّ بعض هذه المعاني قد يكون موجودًا أصلًا في اليونانيّة؛ لكن أيًّا منها لا يبدو كافيًا، ولا حاسمًا، في إدراك ما يدور في مفهوم "اِلىِوْثىِريا".
5لقد سعينا طويلًا إلى فهم المعنى الأوّل الذي تنطوي عليه الكلمة انطلاقًا من الاشتقاق الذي منحه اليونان أنفسهم للمصطلح: فـ ἐλεύθερια، "اِلىِوْثىِريا"، تُشتَقُ من الجذر ελυθ، ελευθ، الذي يعبّر عن فكرة "الذهاب حيث نريد"، "الذهاب حيث يطيب لنا"5. هذا التفسير الاشتقاقيّ يترافق غالبًا مع تأويلٍ فلسفيّ للمصطلح يمنح امتيازًا لمعناه السياسيّ: فالحرّ هو ذاك الذي، بخلاف العبد، يستطيع أن يتنقّل كما يُزمع وليس مقيَّدًا في تحرّكاته6. والمعنى السلبيّ للمصطلح – الحرّ في مقابل العبد (الحرّ هو تقريبًا مرادف "مواطن"، إذ إنّ الإنسان الحرّ هو الذي يشارك في سلطة المدينة، التي حدّدها أرسطو بوصفها "جماعة البشر الأحرار") – قد يُحسَب، في هذا المنظور، على أنه المعنى اليونانيّ الحقيقيّ الوحيد للكلمة. تلخّص حنة آرنت تمامًا هذه الأطروحة – في شكلها الأكثر راديكاليّة – عندما تكتب: "لا ينشغل بالٌ في ما يخصّ الحريّة (بمعنى غير المعنى السياسيّ) في مجمل تاريخ الفلسفة الكبرى منذ ما قبل سقراط إلى أفلوطين، آخر الفلاسفة القدماء"7.
6لكن هذا التفسير الاشتقاقي قد تمّ اليوم تجاوزه. فالأبحاث المعاصرة التي أجراها فريسك8 وبنفنيست9 أبرزت غنىً دلاليًّا أكبر للمصطلح. فالمعنى الأوّل لمصطلح "اِلىِوْثىِريا" لن يكون معنىً سلبيًّا (ألّا تكون ممنوعًا من أن تذهب حيث تريد)، متّصلًا بإلزامٍ أو بحصر، بل هو معنى إيجابيّ. فالجذر الذي استُخرِجت منه الصفة ἐλεύθερος، "اِلىِوْثىِروس"، يعني "نما" و"كبُر"، وقد أعطى في اللغة السلافيّة والألمانيّة مصطلحاتٍ تعني "الشعب"، "الناس" (Leute). فلفظة "اِلىِوْثىِريا" تجمع إذًا معنيين رئيسيّين، ينبغي فهم العلاقة بينهما: الانتماء إلى أصلٍ عرقيّ (الشعب، الناس) وفكرة النمو التي تؤدّي إلى شكلٍ متمَّم، يبلغ حدّه بالنضج المتفتِّح. لا بدّ بالتالي من الاستنتاج أنّ "المعنى الأوّل ليس، كما قد تسوّل لنا المخيّلة، "التخلّص من شيء ما"؛ إنّما هو الانتماء إلى أصلٍ عرقيّ كما تصوّره استعارة النموّ النباتيّ. هذا الانتماء يمنح امتيازًا لن يعرفه الغريب والعبد"10. فأن تكون "حرًّا" يعني أنّك تنتمي إلى "مجموعة نموّ" تحدّد "قسمًا عرقيًّا، مجموعة أولئك الذين ولدوا ونموا معًا". ولذلك، قد يفيد المعنى الأوّل للصفة ἐλεύθερος، "اِلىِوْثىِروس"، أنّه "منتمٍ إلى الشعب"، "في بيته"، في مقابل الصفة βάρϐαρος، "بارباروس" (الأجنبيّ). وهكذا يؤوّل فان ستراتن الوُرُودَ الأوّل المعروف لهذا المصطلح في مقطعٍ جدليّ من "الإلياذة" (٦، ٤٥٥): إنّها مسألة أندروماك التي، باقتيادها بعيدًا عن طروادة، خسرت "يوم الحريّة (اِلىِوْثىِرون)". هذه الترجمة التي اختارت مصطلح الحريّة لا تؤدّي، بحسب فان ستراتن، المعنى الأوّل للكلمة في اللغة اليونانيّة: فالمعنى الأوّل لكلمة "اِلىِوْثىِروس" هو "منتمٍ إلى الشعب، إلى بيته"11. وأن يخسر المرء حريّته بمعنى "اِلىِوْثىِريا"، فذلك يعني أن يخسر النهار الذي يطلع على بلده الأمّ حيث تكون أندروماك في ديارها: "يبدو محتَمَلًا جدًّا أن يختبر اليونانيّون، في تلك الأزمنة القديمة، هذا "الوجود في الديار" بوصفه العنصر الأوّل في الجملة، وكلمة "حرّ" بوصفها تبعةً وحسب"12.
7لا تنطوي "اِلىِوْثىِريا" بالتالي على معنى سياسيّ، بل بيولوجيّ (عرق، سلالة، شعب) أو جسديّ (نمو، أو بصورةٍ أدقّ نموٌّ مكتملٌ بلغ حدّه في النضج المتفتّح للشكل – الذي منه "الشكل، الصورة، القامة"). هل يتعلّق الأمر، كما يتفكّر بنفنيست، بمجرّد "استعارة"؟ هذا هو السؤال.
٢) حريّة، نموّ، طبيعة: ἐλεύθερια ("اِلىِوْثىِريا") و φύσις ("فوْسيس")
8النموّ الذي يتفتّح في عراء الوجود، من حيث أنّه حركةٌ تنطلق من الذات ونحو الذات، هو، في الواقع، ما يشير إليه مصطلح φύσις، "فوْسيس"، "طبيعة"، في اللغة اليونانيّة. فالـ"فوْسيس"، كما بيّن هايدغر، ليست وجودًا بين الموجودات وحسب، إنّما هي التحديد الأصليّ للكينونة بالنسبة إلى اليونانيّين: "الكينونة هي الـ"فوْسيس"، أي ما هو بائن من تلقاء نفسه"13. الـ"فوْسيس" هي نمط الحركيّة التي تنتمي إلى الموجود المتحرّك باعتبارها نمط كينونته، أي نمط الدخول في الوجود: "عندما أصبح هذا النمط من الفهم ممكنًا، عندئذٍ فقط أصبح بالإمكان إدراك الـ"فوْسيس" في كيفيّة انبساطها بوصفها السلطة الأصليّة على حركيّة الموجود المتحرّك انطلاقًا من الذات وباتجاه الذات"14. فهي تشير إلى تفتّح الموجود في الوجود، من حيث أنّه نموّ، انبساط، ازهرار، تفتّح. أليست هي ما يفرض، منذ ذلك الحين، معناها الفلسفيّ الأوّلي على مفهوم "اِلىِوْثىِريا" اليونانيّ؟ هذا ما بوسعنا إثباته بالاستناد إلى عددٍ من النصوص. نكتفي هنا بمثلين.
9أن يكون "الحرّ"، في البداية، ذاك الذي تفتّح نضجًا بوصفه إنسانًا، فذاك يعني أنّه بلغ تماميّة شكله وصورته الإنسانيّة. وهو ما يُثبته صراحةً مقطع من "ثياتيتوس" (١٧٣ أ‑ب)15. فسقراط يقارن السفسطائيّين الماهرين في المرافعات، الذين أمضوا أوقاتهم، منذ صباهم، في المحاكم، بالفلاسفة؛ يُشبه السفسطائيّون، بالنسبة إلى الفلاسفة، أناسًا نشأوا للخدمة مقارنةً بأناسٍ "اِلىِوْثىِرويس" (أحرار). فالمرافعون لا يتمتّعون إطلاقًا بأوقات فراغ: فوقت الخطابات، بالنسبة إليهم، محسوبٌ دائمًا. كما أن التنشئة التي يتلقّونها تجعلهم ماهرين، لكنّها "تجعل منهم أنفسًا ضامرةً وغريبة الأطوار". ويضيف سقراط:
إنّ العبوديّة التي يقاسونها منذ صباهم، تمنعُهم من النموّ، وتحرِفُهم عن الاستقامة، وتجرّدُهم من الحريّة، وتُرغمهم على الممارسات الملتوية، وترمي على أنفسهم، التي لا تزال غضّة، مخاطرَ جسيمةً ومخاوفَ خطيرة، لا يستطيعون تحمّلها مع العدالة والحقيقة، فيتوجّهون مباشرةً إلى الكذب والإهانات المتبادلة، وينطوون على أنفسهم ويتقوقعون16.
10من هنا، يستطيع سقراط أن يستخلص أنّ الفيلسوف وحده يتمتّع بـ "اِلىِوْثىِريا" في أسلوبه في سياقة الخطاب، λόγος، "لوغوس"، وفي انتقاله من خطابٍ إلى آخر (١٧٣ ب). يجمع هذا النصّ بصورةٍ فائقة الوضوح الحريّة والنموّ (αὒξη، "اوْكْسيِ")، وهو ما يؤول إلى القامة المستقيمة، وإلى الاستقامة في صون الذات (τὸ εὐθύ، "تو اِوْثوْ")، في حين أنّ عبوديّة المرافعين والخطباء غير الفلاسفة تنجم عن إلزامٍ يمسي النموّ بموجبه وكأنه مكبّل، إذ يعجز عن النضج والتفتّح بحريّة، ويولّد بالتالي كائنات غريبة الأطوار، ضامرة، ومكّارة17. أمّا أن يكون المرءُ حرًّا، فذلك لا يعني سوى أنّه بلغ نضج الإنسان المتفتّح18، مثلما تبلغ النبتة نضجها المتفتّح في الزهرة.
11عند هذا الحدّ، لا تتعارض "اِلىِوْثىِريا" مع "فوْسيس" مثلما تتعارض الحريّة الحديثة مع مذهب الحتميّة الطبيعيّة، بل ترافقها. فإذا كان الشيء في الواقع هو ما اكتمل نموّه، وهذا ما "ندعوه طبيعة الشيء" كما يؤكّد أرسطو19، فإنّ "اِلىِوْثىِريا" تكمّل "فوْسيس". وهذا ما يتبدّى، مثلًا، من المقاطع التي يخصّ بها أرسطو العبوديّة الطبيعيّة، والتي يظهر فيها الأنموذج نفسه "الطبيعيّ" أو "النباتيّ". فإذا كان هناك أناسٌ عبيدٌ بطبيعتهم، نقرأ في "السياسة"، فذلك يعني أنّ هناك أناسًا تتميّز قامتهم وصورتهم عن الأناس الأحرار، بسبب نموٍّ لم يكتمل: فالعبد بطبيعته ليس إنسانًا بالتمام، لأنّه "يملك العقلَ (لوغوس) بالمشاركة بالقدر الذي ينضوي فيه هذا العقل إلى الإحساس وحسب، من دون أن يمتلكه بالكامل"20؛ يقف مَن هو عبدٌ بالطبيعة مقبّبًا، بخلاف الإنسان الحرّ الذي يتمتّع بوقوفٍ مستقيمٍ، وهذا الوقوف المستقيم، مضافًا إلى العقل، هو ما يمنح الإنسان طابعه الإلهيّ21، لأن الـ"فوْسيس"، يضيف أرسطو، لا تُنتِج دائمًا ما تريد22. هذه التوصيفات التي يتحدّد بها العبد بطبيعته يستعصي علينا إدراكها ما لم نفهم أنّ الحريّة، التي يُنظر إليها في أفق الـ"فوْسيس"، تعني ملء تماميّة الإنسان أو نضجه المتفتّح بما هو عليه، أي بما هي عليه كينونته، التي تتمتّع بهذه "الطبيعة" أو بتلك. لا يتحدّث أرسطو هنا عن العبيد الواقعيّين، الذين نجدهم في أثينا في القرن الخامس، فهو يسارع إلى الإضافة أن النقيض هو ما قد يقع غالبًا، "فيؤتى بعض الأرقاء أجسام الأحرار، ويؤتى بعضهم أنفاسًا حرّة"23. يُدرك العبد إذًا، بهذه الصورة المثاليّة التي "ينبغي للعبد أن يكون عليها" – والتي لا تعكسها صورةُ العبيد الموجودين واقعيًّا في أثينا – "في تقابلٍ" مع الإنسان الحرّ (وليس العكس) بوصفه إنسانًا غير مكتملٍ. والحرّ يُدرَك بكونه الإنسان المتمَّم، المتفتّح النضوج، لأنّه لم يُعوَّق في نموّه وبات بالتالي مطابقًا لطبيعته الحقيقيّة"24. و"بما" أنّ الإنسان المتَمَّم يمتلك الأهليّة للتفكّر (τὸ βουλευτιϰόν، "تو بووْلىِوْتيكون")، والحصافة (φρόνησις، "فرونيِسيس")، ويتصرّف اختياريًّا (πϱοαιϱούμενος، "پروايرووْمىِنوس")، ينبغي للعبد أن يُجرَّد من هذه السمات الثلاث25: ولهذا السبب لا يستطيع أن يقود ولا أن يشارك في غاية المدينة أو في الحياة الجيّدة أو في السعادة. ومن بابٍ أولى، لا يستطيع العبد "بالطبيعة" أن يشارك في النشاط الأرفع الذي يمارسه الإنسان، الذي فيه يتفتّح نضجًا ويتمّم طبيعته، وينجزها تطابقًا مع غايته (τέλος، "تىِلوس"): التأمّل. وإذا كان أرسطو يحدّد هنا بصراحةٍ الإنسانَ المستسلم للتأمّل بأنّه "اِلىِوْثىِروس" (حرّ)26، فلا يقوم بذلك على أساس أنّه محرّرٌ من مهمّاتٍ سياسيّة الطابع، بل لأنّه يتمّم بالملء جوهره إنسانًا، في الوقت الذي يلج فيه أكثر ما هو "إلهيّ" في الإنسان، مقلّدًا الاكتفاء الذاتيّ الإلهيّ.
٣) حريّة اختيار يونانيّة؟
12بهذا المعنى، لا تنطوي "اِلىِوْثىِريا" لزامًا، بالنسبة إلى أرسطو كما بالنسبة إلى أفلاطون، على المفهوم الحديث لمطلقيّة الخيار. وإن أردنا البحث، بأيّ ثمن، عن سلفٍ لمفهوم الحريّة الحديث، سنجده بالأحرى عند السفسطائيّين، بحكم فهمهم المختلف للعلاقة القائمة بين φύσις، "فوْسيس" (طبيعة)، و νόμος، "نوموس" (القانون). يجسّد أفلاطون، في "جورجياس"، عبر أحد تلامذة السفسطائيّين، كَليكلِس، وهو مدافع راديكاليّ عن مبدأ اللذّة، تصوّرًا للحريّة بوصفها إجازةً جامحةً في البحث عن المنفعة الذاتيّة، وغيابًا لأيّ إلزامٍ خارجيّ، وبالتالي اعتباطًا ذاتيًّا خالصًا. يتأسّس هذا التصوّر على علاقةٍ مختلفةٍ تمامَ الاختلاف بين القانون والطبيعة: فالحريّة (اِلىِوْثىِريا) لا ترسم النضج المتفتّح الذي لم يعوَّق "طبقًا" للطبيعة (فوْسيس)، على نحوٍ تكون فيه الطبيعة ناظمةَ النموّ، تمنحه قانونها، والنضج المتفتّح الذي يحدّد بدقّةٍ توافق الفرد أو تطابقه مع قانون جوهره؛ بل على العكس تمامًا، إنّها فكرةُ نموٍّ يكون بمثابة قانونٍ لنفسه، طالما أنّه متفلّتٌ من أيّ عائقٍ يواجهه، وفكرةُ قوّةٍ تذهب إلى حدّها ولا تحدّها سوى قوّةٍ أخرى، هي الفكرةُ التي تتدخّل في فهم الحريّة السفسطائيّ. "فالحريّة" لم يفهمها كَليكلِس على أنها النضج المتفتّح الذي يبلغه الكائن طبقًا لقانون جوهره، بل على أنّه نموٌّ وانبساطٌ لا يسوسه قانونٌ ولا جوهرٌ، ولا تحكمه طبيعةٌ بالمعنى الأفلاطونيّ (الذي يفترض دائمًا قانونًا وغايةً)، إنّما هو معيارٌ لنفسه؛ فطبيعة الإنسان الوحيدة تكمن، منذ ذلك الحين، في أن يكون بلا طبيعة، في أن يكون قادرًا على تحقيق إمكانيّاته القصوى من دون أن يعترضه قيدٌ أو عائقٌ.
13إلّا أنّ إجازةً مطلقةً على هذا النحو، يردّ أفلاطون، ليست سوى حريّة مزيّفة. لأنها، أوّلًا تتكئ على فكرةٍ سلبيةٍ خالصةٍ للحريّة: فالتحرّر من أيّ قيد ومن أيّ إلزام لا يضفي على الحريّة (اِلىِوْثىِريا) أيّ مضمونٍ إيجابيّ؛ بل تصبح قدرةً على فعل أيّ شيء، الشرّ كما الخير. وهي تتلخّص في هذه الصيغة: "افعل ما تتمنّى"27. ثانيًا، لأنّ مقدرةً متفلّتةً كهذه من أيّ إلزامٍ قد تكون وهمًا. ألسنا أسرى الرأي بتصرّفنا كما نرغب؟ أليس قيدُ الرأي هذا أشدَّ القيود وأصلبها؟ ولذلك، ينبغي مقابلة هذه الصيغة: "تصرّف كما ترى مناسبًا"، بمعرفة الخير الحقيقيّة التي وحدها تحرّر. وعلى هذا النحو، توضع حريّة السفسطائيّين في حسابٍ استبداديٍّ طبيعيّ، يكون فيه الإنسان "مدفوعًا إلى فوضى معمّمةٍ"، يُطلق عليها الناسُ الذين يدفعونهم إليها (المربّون السيّئون) اسم الحريّة التامّة (ἐλεύθερίαν ἅπασαν، "اِلىِوْثىِريان اپاسان")28. إلّا أن "النفس التي يسوسها مستبدٌّ لن تفعل بأيّ شكلٍ من الأشكال ما يطيب لها". وهكذا، يقلب أفلاطون على السفسطائيّين صيغتهم في الحريّة لتصبح: أن تفعل ما تتمنّى في جهلٍ تامّ فهذه هي صيغة العبوديّة بحدّ ذاتها (المستبدُّ في كينونته عبدٌ في كينونته)29.
14بخلاف الاستبداديّ الطبيعيّ، لا يمارس الفيلسوفُ، الإنسانُ المَلَكيّ، مُلكَه على الآخرين، ولا يستطيع بالطبع ممارسته على الآخرين إلّا بقدر ما يمارسه على نفسه أوّلًا، أي بقدر ما هو حرّ: "ذاك هو، الأكثر ملكيّة، الذي يمارس مُلكَه على ذاته"30. هذا المُلك يكمن هو نفسه في أوّليّة العقل (νοῦς، "نووْس")، على القسمَين الآخرين من أقسام النفس التي تميّزها "الجمهوريّة": الرغبة (ἐπιθυμία، "اِپيثوْميا") والشجاعة (θυμός، "ثوْموس"). ففي الواقع، وحده العقل حرٌّ في ذاته، كما يحدّد ذلك نصّ أساسيّ في كتاب "النواميس": "لا يستطيع العقل تسليمًا أن يكون خادمًا أو عبدًا لأيّ شيءٍ كان؛ بل يتحتّم عليه أن يكون السيّد العامّ، إذا كان حقيقيًّا بالفعل وحرًّا كما تريد طبيعته"31. وعلى هذا الأساس، تستطيع "اِلىِوْثىِريا" (الحريّة) أن تتحدّد، بالنسبة إلى أفلاطون، على أنّها هذه "السمفونيّة داخل النفس"32، التي لا تنفكّ عن العدالة السائدة بين مَلَكاتِها، أو لا تنفكّ، بالنسبة إلى الإنسان الحرّ، عن "التكوين الجيّد للمدينة التي فيه"33. وإن ساد هنا التناغمُ أو "السيمفونيّة" في مدينته الداخليّة - "حريّة" -، فلأن العقل لا يأمر بالإلزام والعنف، بل بإقناع هادئ34؛ تتوافق، تحت سلطته، أقسام النفس جميعها، وتتنافس للخير العام، وتتآلف وتتناغم. والتناغم الذي ينشأ هنا يفترض، ككلّ تناغم، توافق الأقسام في سبيل الكلّ، أي في سبيل غايةٍ، تتمثّل بخير النفس كاملةً، الذي وحده العقلُ يعرفه. ولذلك، تبتعد الحريّة، التي تُصوَّر على هذا النحو، كلَّ البعد عن القدرة على القيام بهذا الأمر أو بعكسه، كما يتبيّن في نصٍّ رئيسيّ من نصوص "النواميس"35، حيث يُقارن الحرّ بدميةٍ صنعتها الآلهة، ولا تسمح بأن تُحرّك بخيوط الانفعالات الحديديّة (اللذّة والغمّ والأمل والخوف)، بل بخيطي العقل والقانون الذهبيين فقط. أمّا فهم هذا النصّ انطلاقًا من التصوّر الحديث للحريّة، فلن يكون سوى منح الإنسان "حريّة" مسكينةً، على اعتبار أنّها حريّة دمًى، وهي أسوأ من "حريّة شوّاية اللحم" التي سخر بها كانط من لايبنز، والتي تدور بشكلٍ آليٍّ بعد أن يتمّ شدّ نوابضها! إلّا أنّ المعنى الذي ينطوي عليه هذا المقطع مختلفٌ تمام الاختلاف: فبقدر ما "يكون الإله معيار كلّ شيء"36، يكون خضوعك للآلهة كنايةً عن كونك حرًّا، لأنّ ذلك يعني أنّك تعرف الخيرَ الذي يقدِّم المعيار لما هو إنسانيّ، وأنك بالتالي إنسانٌ بما للكلمة من معنى. تعني الحريّةُ إذًا، بالنسبة إلى الإنسان، نموَّ كينونته، ليس بوصفه نموًّا عشوائيًّا وفوضويًّا على الإطلاق، بل من حيث هو نضجٌ متفتّحٌ مطابقٌ للـ"فوْسيس" (الطبيعة)، نضجٌ متفتّح يتحقّق بفضل التناغم والعدالة التي تسود بين مَلَكاته، وحُكم أنبلها على الإثنين الأُخريَين. فالحريّة، باعتبارها خضوعًا داخليًا للعقل (λόγος، "لوغوس")، هي في الوقت عينه معرفة الخير الذي به تغدو، إلى حدٍّ ما، مشابهةً له، أي خيّرةً، خضوعًا للآلهة الذي به يكشف العقلُ (νοῦς، "نووْس") طابعَه "الإلهي"، على نحوٍ تكون فيه الحريّة، من حيث هي معرفة الخير، عدالةً: وحده الإنسان الحرّ عادل، لأنّ العدالة بوصفها فضيلةً وتفوّقًا (ἀρετή، "ارىِتيِ") تُكوِّن الصورة المتمَّمةَ عن النموّ الإنسانيّ.
٤) خيارٌ، قرارٌ، حريّة
15ألا نجدُ، على أيّ حالٍ، عند أرسطو، في نظريّة الخيار (προαίρεσις، "پروايرىِسيس")، تصوّرًا سَلَفَ مفهوم "الحريّة" الحديث؟ لا يستحيل الشكّ في ذلك لأسباب عديدة. أوّلًا، لأنّ "پروايرىِسيس"، الخيار، الذي عُبِّر عنه في اللاتينيّة بمصطلح الـ"electio" (انتخاب)، لا يشير دائمًا إلى "خيارٍ" يفترض بديلًا. يكفي أن نستعيد هنا مثلًا من الأمثلة التي توفّرها "الأخلاق إلى نيقوماخوس": تشبه المداولةُ "عمليّةً حسابيّة"، يؤكّد أرسطو، ويشبهُ الخيارُ "بروايريزيس" القياسَ المنطقيّ؛ لنأخذ الصحّةَ غايةً مُبتغاة، فالصحّة تنجم عن توازنِ الأمزجة، التي بدورها تنجم عن الحرارة، والحرارة عن الفرك؛ ونحن نمتلك القدرة على الفرك؛ ولذلك يجب أن نفرك37. لا "خيار" لنا هنا، لأنه لا بديل لنا، بل نحن أمام "قرار" يدفعنا إلى استخدام وسائل في سبيل غايةٍ محدّدةٍ مسبقًا. ثانيًا، وهذه نقطة جوهريّة، ليس "پروايرىِسيس"، الخيارُ، على الإطلاق، بخلاف الانتخاب (electio)، فعلَ "إرادةٍ"، ذلك أنّ هذه الأخيرة تغيب بالكامل عن أفق تصوّرات أرسطو. ويبلغ سوء الفهم ذروته عندما يترجم توما الأكوينيّ προαίρεσις، "پروايرىِسيس" (الخيار)، بـ"electio" (الانتخاب)، و βούλησις، "بووْليِسيس" (الرغبة)، بـ"voluntas" (الإرادة)38، بل بـ"liberum arbitrium" (الحَكم الحرّ، تعبيرًا عن حريّة الاختيار): " βούλησις (بووْليِسيس) هي liberum arbitrium (الحَكم الحرّ) لأنّها [...] إرادة شيءٍ مقارنةً بشيء آخر"39. وفي الواقع، بينما يشير "پروايرىِسيس" بالنسبة إلى أرسطو إلى فعلٍ يخصّ العقل40، ويخصّ بصورةٍ أدق حكم العقل العمليّ الذي يقفل المداولة وينقلها إلى الفعل، يفهم توما الأكوينيّ الـ"electio" على أنّه فعل الإرادة الذي يستهدف غايةً، سبق أن أضاء عليها العقل بتداوله في الوسائل. وهنا أيضًا، يظنّ توما الأكوينيّ أن بوسعه الارتكاز على نصّ من "الأخلاق إلى نيقوماخوس"، وفيه يحدّد أرسطو "پروايرىِسيس" كـ"عقل مشتهٍ (ὀρεϰτικὸς νοῦς) أو شهوة عاقلة (ὄρεξις διανοητιϰή)"41 ليسند فعل الخيار إلى المَلَكة التي تجمع الرغبة والعقل، إلى الرغبة العقلانيّة (appetitus rationalis)، أي إلى الإرادة42. يتعلّق الأمر طبعًا بمعنى معاكس. فلا شيء يسمح بأن تحتلّ حرية الاختيار موقعًا لها في نظريّة الخيار الأرسطيّة كما يبيّن بيير أوبونك: "مقاربة مفهوم "پروايرىِسيس" (الخيار) من منظور المسألة التي تطرحها حريّة الإرادة، لن يكون مصيرها سوى التوقّع من النصوص الأرسطيّة ما ليس موجودًا فيها، وإهمال ما تتضمّن"43. ولذلك، يُستَحسَن ترجمة هذه الكلمة التي يُدخلها أرسطو قاموسه الفلسفيّ بكلمة القرار44 بدلًا من "الخيار"45 أو "حرية الاختيار": حرفيًّا، ما يسمح، من خلال السابقة προ، "پرو" (قبل)، باستهداف الوسائل في سبيل غايةٍ جيّدة (الخير).
16تتّضح، من جهة أخرى، غرابة الإشكاليّة الأرسطيّة في مسألة "اِلىِوْثىِريا" عن أيّ تصوّرٍ حديثٍ للحريّة، من نصٍّ حاسمٍ في "الميتافيزيقا". يتساءل أرسطو، في هذا المقطع، عن الطريقة التي يكون بها الخيرُ موجودًا بالنسبة إلى كلّ شيء: بوصفه شيئًا منفصلًا، أو بوصفه النظام الذي يسود هو نفسه في هذا الكلّ؟ ويجيب إنّ الخير ليس ماثلًا في العالم، إنّما هو متعالٍ، مثل المحرّك الأوّل. ولإثبات ذلك، يشدّد على جزء الاعتباط والاحتمال الذي نجده في نظام العالم والذي يجعل من أن يكون هذا العالم غيرَ مطابقٍ للخير بالتمام:
لكنّه ينتمي إلى الكون كمن ينتمي إلى عائلة، حيث لا يكون مباحًا، إلّا بالحدّ الأدنى، للناس الأحرار بأن يتصرّفوا وفق النزوات (ἔτυχε ποιεῖν، "اِتوْخىِ پويىِين")، وحيث تكون جميع تصرّفاتهم، الجزء الأكبر منها، مضبوطةً (τέταϰται)؛ أمّا بالنسبة إلى العبيد والبهائم، فالقلّة القليلة من أفعالهم تتعلّق بالخير العام، ومعظمها متروك للمصادفة (τὸ δὲ πολὺ ὅ τι ἔτυχεν، "تو دىِ پولوْ أُ تي اِتوْخىِن")؛ لأنّ هذا هو المبدأ الذي يكوّن طبيعة كلّ واحد46.
17لا تكمن "اِلىِوْثىِريا" إذًا في اعتباط النزوة، في إمكانيّة التصرّف بالمصادفة (ἔτυχε ποιεῖν، "اِتوْخىِ پويىِين")، بل تكمن، على العكس، في الفعل المطابق للقاعدة، أي الخاضع للخير. وحدهم العبيد والحيوانات، الذين ليسوا بالطبع أحرارًا بالمعنى الحقيقيّ، معرّضون للتصرّف بأسلوب اعتباطيّ؛ أمّا الناس الأحرار، فيتميّز سلوكهم بالثبات، ويقترب على هذا النحو أكثر فأكثر من انتظاميّة النجوم الرصينة ومن ثبوتيّة المحرّك الأوّل. فاعتباط سلوكٍ يستطيع أن يختار هذا أو ذاك "بلا مفاضلة" يقع بالتالي على طرفٍ نقيضٍ من "اِلىِوْثىِريا".
18قد يجوز الاعتراض، في المقابل، على هذه الإثباتات، ذلك أنّ نصوصًا أرسطيّة أُخرى، وخصوصًا الفصل التاسع من كتاب "التأويل"، تتضمّن "حريّة الخيار" التي تقترب من التصوّر الحديث للإرادة الحرّة. يؤكّد فيها أرسطو، في الواقع، أنّه، مع حتميّة ديودورُس، "لن يبقى مجالٌ للتداول في الاعتقاد بأنّه، إذا أتممنا هذا الفعل، تبعته هذه النتيجة، وما لم نَقُم به لن تتبعه هذه النتيجة"47. أليس هذا إقرارًا بلا حتميّة الخيار؟ في الحقيقة، يسعى أرسطو في هذا المقطع إلى المحافظة على الفكرة القائلة بوجود جانبٍ من المصادفة "الموضوعيّة"، بوجود هامشٍ من الممكنات غير الحتميّة في الأحداث تفسح المجال أمام التداول واتخاذ القرار في هذا الاتجاه أو ذاك؛ لكنّه لا يُؤكّد اللاحتميّة في ذاتها بقدر ما يشدّد على الظروف التي يتحتّم الخيار فيها.
19ولذلك، يبدو أنّه من الضروريّ الفصل القاطع بين موقف أرسطو وموقف شُرّاحه المتأخّرين أمثال إسكندر الأفروديسي، المُشبعة تصوّراته بالرواقيّة، والذي سيعيد تأويل الحريّة الأرسطيّة على أنّها نوعٌ من أنواع "المصادفة الداخليّة"48: يؤكّد أنّ ما هو غير كائنٍ عندما يصادَف في الأسباب الخارجة عنا، يولّد الحظّ أو المصادفة (τυχή، "توْخيِ")، التلقائيّة (αὐτόματον، "اوْتوماتون")، والذي، عندما يصادف في الأسباب التي فينا، يجعل باستطاعتنا القيام بأشياء، ويجعل نقائضها ممكنة على حدّ سواء49. هذا هو منشأ حريّتنا. لكن الإقرار بحريّة تكون بمثابة "مصادفة داخليّة وحريّة خيار"50 لا يمكن أن يكون أرسطيًّا. يقرأ الإسكندر الأفروديسي هنا أرسطو بوساطة مجهر ابيكتاتوس وشيشرون والرواقيّة.
٥) ἐλεύθερια ("اِلىِوْثىِريا") / τὸ αὐτεξούσιος ("تو أوْتىِكْسووْسيوس" [السيادة على الذات])
20قبل أن ننفذ إلى الترجمات اللاتينيّة ("liberum arbitrium", "libertas") التي تُرجم بها مصطلح "اِلىِوْثىِريا" اليونانيّ، يجدر بنا أن نتوقّف عند مصطلحٍ ظهر بوصفه اسمًا في القرن الثاني للميلاد، في سياقٍ غير فلسفيٍّ (فيلون الإسكندريّ، فلافيوس يوسيفوس، كليمنضس الإسكندريّ، أوريجانوس)، وظهر في الوقت عينه بوصفه مصطلحًا تقنيًّا في الرواقيّة الإمبراطوريّة (ابيكتاتوس): يتعلّق الأمر بالصفة الاسميّة المشتقة من αὐτεξούσιος، "أوتيكْسووْسيوس"، ومعناها الأوّل "السيادة على الذات". وهو المصطلح، المُستَخدم بصورةٍ خاصّةٍ في الفكر المسيحيّ (من كليمنضس الإسكندريّ إلى نِميسيوس الحمصيّ وإلى يوحنا الدمشقيّ)، الذي سيُتَرجَم إلى اللاتينيّة بـ"liberum arbitrium" (الحكم الحرّ).
21إلّا أن المفهوم الرواقيّ لهذا المصطلح "أوتيكْسووْسيوس" لا يعني حريّة الخيار أو الحكم، بل استقلاليّةً عن الأهواء. "فالسيادة على الذات" عبارةٌ مرادفةٌ عمليًّا لعبارة "ما يتعلّق بنا". وهو ما يفيد به هذا المقطع من "مقابلات" ابيكتاتوس: "ماذا أعطاني [الله] شيئًا يكون لي وغيرَ مقيّدٍ (ἐμοὶ καὶ αὐτεξούσιον)؟ بماذا احتَفَظَ لنفسه؟ أعطاني أشياءَ تتعلّق بالخيار، الذي جعله متوقّفًا عليّ من دون أن أواجه أيّ عائقٍ أو مانع"51.
22السلطة على الذات تعني هنا الاستقلاليّة عن أي إلزام أهوائيّ، وفي برودة الإحساس هذه تحديدًا تكمن، بالنسبة إلى الحكيم، "اِلىِوْثىِريا"52. وبالتالي، لا يتضمّن المفهوم الرواقيّ للمصطلح، بخلاف المعنى الذي سيفرض نفسه رويدًا رويدًا من خلال ترجمة αὐτεξούσιον (أوتيكْسووْسيوس)، "السيادة على الذات"، بتعبير "liberum arbitrium" الذي يحيل إلى حرية الاختيار، فكرةَ الإرادة اللامبالية تجاه أضداد، خصوصًا أنّ مفهوم "الإرادة" بالمعنى الحديث، بوصفها نزعةً عقلانيّة في جوهرها، ليس هنا وثيق الصلة. فالحريّة، بالنسبة إلى ابيكتاتوس كما كانت أيضًا بالنسبة إلى خريسيبوس، لا تخصّ الفعل "الإراديّ"، بل تحدّد الموافقة التي تُعطى لتصوّرٍ ما. إلّا أن الموافقة وظيفة من وظائف العقل ("لوغوس"). ولذلك، تكمن الحريّة في الاستخدام الصحيح للتصوّرات، أي في الموافقة التي تُعطى بدرايةٍ وطبقًا للعقل، في مقابل الأحكام الباطلة التي منها تولد الأهواء.
23كيف انتقلنا، منذ ذلك الحين، من مصطلح "أوتيكْسووْسيوس" "السيادة على الذات" اليونانيّ إلى ترجمته اللاتينيّة "liberum arbitrium"؟ يُقحم هذا السؤال كامل التاريخ الذي ابتُكر فيه مفهوم الإرادة الموحّد. بيد أننا نطرح الفرضيّة التالية: كي نفكّر في أمرٍ يكون بمثابة "إرادة حرّة"، ينبغي بادئ ذي بدءٍ أن ينتقل موقعُ الحريّة من حُكم الفكر المطابق للعقل ("لوغوس") إلى الخيار (arbitrium) بين ضدّين. وقد يكون من المحتمل جدًّا أن تكون الرواقيّة المتأخّرة لعبت دورًا كبيرًا في هذا التطوّر53. فالمفهوم التقنيّ الذي ينطوي عليه مصطلح ἐϰλογή، "اِكلوغيِ"، والذي ترجمه اللاتينيّون بـ"electio" (الانتخاب) أو "selectio" (الانتقاء)، أي "الاختيار"، لا ينطبق عند أنتيباتروس الطرسوسي إلّا على انتقاء أشياء "لا تفاضل" الحكمة بينها: الصحّة أو المرض، والغنى أو الفقر، والشرف أو الخزي، إلخ. فاختيار الصحّة، مثلًا، لا يتعلّق بفعل مستقيم، بل هو مجرّد واجبٍ، لأنّ هذه الأشياء التي لا يُكترث لها في ذاتها لا تصطبغ لونًا أخلاقيًّا إلّا بالخيار، بقدر ما يتمّ بصورة مطابقة أو غير مطابقة للطبيعة. وإذا كان الفعل المستقيم يكمن إذًا في التزام الخير والهروب من الشرّ، فإنّ الواجب يكمن حصرًا في الاختيار، بين الأشياء التي لا يُكترث لها، الأشياء المطابقة للطبيعة: يشير مفهوم ἐϰλογή، "اِكلوغيِ"، هنا إلى صلةٍ أضعف بكثير من الالتزام أو الهروب54. إلّا أن أفول مثال الحكيم والتشديد على الواجب (officium)، في الرواقيّة الإمبراطوريّة، عند شيشرون مثلًا، يقودان إلى منح مفهوم "electio"، "الانتخاب"، اتّساعًا دلاليًّا وبُعدًا كبيرًا. كما أن المفاهيم الأساسيّة للحصافة والتعقّل والحكمة سيُعاد تفسيرها على أنّها "electio"، انتخاب، بين الخيور والشرور (في حين أن الاختيار بمعنى "اِكلوغيِ" لم يكن يقع، بالنسبة إلى أنتيباتروس، سوى بين الأشياء التي لا يُكترث لها55). وإلى سوء التفسير هذا يعود، من دون أدنى شكّ، التحديد الذي أعطاه أغوسطينوس للحكمة قارئًا شيشرون: "التعقّل العمليّ (prudentia) حبّ يعرف الاختيار"56. ولكن، إذا كان التعقّل يكمن في معرفة الاختيار، فالحريّة تكمن، في النهاية، في هذا الخيار تحديدًا. ولذلك، ننزلق، على مرّ العصور، من التصوّر الرواقيّ الأصل لاختيار الأشياء التي لا تفاضل الحكمة بينها، إلى التصوّر الحديث للخيار بلا مفاضلة.
٦) τὸ αὐτεξούσιος ("تو أوْتىِكْسووْسيوس" [السيادة على الذات]) / "liberum arbitrium"
24على أثر هذا التشديد إذًا على مفهوم "electio"، الانتخاب، الذي تُرجِم به وحُجِب مصطلح προαίρεσις، "پروايرىِسيس" الأرسطيّ، الخيار، تمكّنت ترجمةُ το αὺτεξοὺσιον، "تو أوْتىِكْسووْسيوس" (السيادة على الذات)، بـ"liberum arbitrium" (الحَكم الحرّ) من فرضِ ذاتها في حضن الفضاء المسيحيّ. "فالحَكم الحرّ"، عند كليمنضوس الاسكندري مثلًا، الضروريّ للإيمان57 والملتحم التحامًا وثيقًا بالنعمة58، يُقحِم، كلّ مرّة، مَلَكَة الخيار بالنسبة إلى الإنسان المسيحيّ59.
25لكنّ التحليل الأشدّ راديكاليّةً للإرادة الحرّة سيتوسّع مع القديس أغوسطينوس. فالحَكم الحرّ لا يتحدّد بالقدرة على الاختيار بين الخير والشرّ (وإلّا كان الله نفسه مجرّدًا من حرية الاختيار: "لو سلّمنا أنّه ما من حرٍّ إلّا ذاك الذي يستطيع أن يشاء أمرين، أي الخير والشرّ، فإن الله ليس حرًّا، لأنّه لا يستطيع أن يشاء الشرّ..."60) بقدر ما يتحدّد بالقدرة على اجتناب الخطيئة: "أقول إن أوّل إنسان خُلِق كان مزوَّدًا بحريّة الإرادة. خُلِق في حالته هذه كي لا يقف أمام إرادته عائقٌ إذا أراد أن يراعي وصايا الله"61. حرية الاختيار هذه، التي استُلِبَت بالخطيئة الأصليّة، لن تُرَمَّم إلّا بالنعمة. لأنّ الحَكَم الحرّ، بما هو خيرٌ منحه الله، ينبغي له أن ينزع هو نفسه إلى الخير؛ ولا تستطيع الخطيئة، التي هي عدمٌ، أن تحدّده. الاستخدام الصحيح للإرادة الحرّة المثبّتة بالنعمة هو إذًا ما يحدّد الحريّة بوصفها "نزوعًا إلى الخير" (determinatio in bonum)؛ وحرية الاختيار لا تكون حرّةً بحقٍّ ما لم تكن، بدورها، محرَّرَةً بالنعمة، أي ما لم تلتحم بالله حبًّا "متنعِّمَةً" به: "هذا ما يحرّرنا، هكذا نجد فرحنا في شريعة الله: فالحريّة في الواقع هي مصدر الفرح"62.
26إذًا، لم يكتسب بَعدُ "الحَكم الحرّ" عند أغوسطينوس معنى القدرة الخالصة بين ضدّين، معنى الحريّة في الاختيار بلا مفاضلة بدلالتها الحديثة؛ وذلك لأنّ مفهوم "voluntas" (الإرادة) - وهذا سببٌ من أسبابٍ عديدة - ما زال يأخذ لدى أغوسطينوس معنىً غير تقنيٍّ، متميّزًا عن "النزوع العقلاني" (appetitus rationalis) الذي عرفته القرون الوسطى، وظلّ مرادفًا للرغبة بصورةٍ عامّةٍ وللمحبّة بصورةٍ خاصّة63. لم يكتسب "الحَكم الحرّ" معنى سلطة الاختيار الخالصة بين ضدّين، سلطة غير محدّدة إطلاقًا، إلّا مع انطلاق المفهوم التقني للإرادة، عند مكسيموس المعترف، ويوحنا الدمشقي، ونيميسيوس، ولاحقًا توما الأكوينيّ: "الحَكم الحرّ"، يكتب القديس توما، هو "إرادة شيءٍ مقارنةً بشيء آخر"64 (per comparationem ad alterum). أي إنّ "الحَكم الحرّ" يعني حريّة الاختيار، ويكمن فعله في الانتخاب (electio): ينبغي لنا بالتالي أن نحسب طبيعة حرية الاختيار استنادًا إلى الخيار65 (ex electione). إلّا أن الخيار يربط الإرادة بالعقل. وبحسب هذا الموقع الجديد الذي تحتلّه المسألة، والذي بات موجِّهًا بالنسبة إلى الفلسفة الحديثة كلّها، أصبحت مسألة الحريّة مسألة العلاقة التي تجمع الإرادة بالفهم والإدراك: ففي الحالة التي تحظى فيها الإرادة بالأولويّة في فعل الاختيار، نتحدّث عن "الإراديّة"؛ وفي الحالة المعاكسة، نتحدّث عن "التعقّليّة".
27هكذا، تتبدّى الإشكاليّة الحديثة المتعلّقة بـ"الحَكم الحرّ" على أنّها ثمرة تاريخٍ طويل. وبعيدًا عن كونها، كما يفكّر ديكارت، "ما نعرفه من إثباتات، لا ندركه إلّا بالخبرة وحدها"66، قد يكون "الحَكم الحرّ" واحدًا من الابتكارات الأكثر تعقيدًا والأقل بيانًا في "الإرث الفلسفيّ الغربيّ".
Bibliographie
Des DOI sont automatiquement ajoutés aux références bibliographiques par Bilbo, l’outil d’annotation bibliographique d’OpenEdition. Ces références bibliographiques peuvent être téléchargées dans les formats APA, Chicago et MLA.
Format
- APA
- Chicago
- MLA
أفلاطون، "بروتاجوراس"، ترجمة عزت قرنى، القاهرة، دار قباء، ٢٠٠٣.
أرسطو، "الأخلاق"، ترجمة إسحق بن حنين، تحقيق عبد الرحمن بدوي، الكويت، وكالة المطبوعات، ١٩٧٩.
أرسطو، "السياسات"، ترجمة أوغسطينس بربارة، بيروت، اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانيّة، ١٩٥٧.
Alexandre D’Aphrodise, Du destin et de la liberté, trad. fr. P. Thillet, Les Belles Lettres, 1984.
Arendt Hannah, « Qu’est‑ce que la liberté ? », in P. Lévy (dir. et trad.), La Crise de la culture, Gallimard, 1972.
Arendt Hannah, The Life of the Mind, t. 2, Willing, New York et Londres, Harcourt Brace Jovanovich, 1978 ; La Vie de l’esprit, t. 2, trad. fr. L. Lotringer, PUF, 1983.
Aristote, Éthique à Nicomaque, trad. fr. J. Tricot, Vrin, 1967 ; trad. fr. R.‑A. Gauthier et J.‑Y. Jolif, Publications universitaires de Louvain, 1970.
Aristote, La Métaphysique, trad. fr. J. Tricot, Vrin, 1970.
Aristote, La Politique, trad. fr. J. Tricot, Vrin, 1970.
Aubenque Pierre, La Prudence chez Aristote, PUF, 3e éd., 1986.
10.3917/puf.aube.2014.01 :Saint Augustin, Sancti Aurelii Augustini […] opera omnia, éd. des Bénédictins de la congrégation de Saint-Maur, in Migne, PL.
Saint Augustin, Œuvres de saint Augustin, Bibliothèque augustinienne, fondateurs F. Calylé et G. Folliet, Desclée de Brouwer, puis Institut d’études augustiniennes.
Benveniste Émile, Le Vocabulaire des institutions indoeuropéennes, 2 vol., Minuit, 1969.
CCL : Collection « Corpus christianorum, series latina » (Turnhout, Brepols, à partir de 1953).
Chantraine Pierre, Dictionnaire étymologique de la langue grecque, nouv. éd. mise à jour avec un « Supplément au dictionnaire », Klincksieck, 1999.
Cicéron, De officiis, trad. fr. É. Bréhier, in P.‑M. Schuhl (dir.), Les Stoïciens, Gallimard, « La Pléiade », 1962.
Clément d’Alexandrie, Les Stromates, I, trad. fr. et notes M. Caster, Cerf, 1951.
Clément d’Alexandrie, Les Stromates, V, trad. fr. P. Voulet, Cerf, 1981.
CSEL : Collection « Corpus scriptorum ecclesiasticorum latinorum » (Vienne, Österreichische Akademie der Wissenschaften, à partir de 1866).
Descartes René, Œuvres, éd. C. Adam et P. Tannery, 11 vol., rééd. Vrin, 1996.
Épictète, Entretiens, trad. fr. É. Bréhier, in P.‑M. Schuhl (dir.), Les Stoïciens, Gallimard, « La Pléiade », 1962.
Festugière André‑Jean, Liberté et Civilisation chez les Grecs, Éd. de la « Revue des Jeunes », 1947.
Frisk Hjalmar, Griechisches etymologisches Wörterbuch, 3 vol., Heidelberg, Winter-Universitätsverlag, 1960-1972.
Gauthier René-Antoine, Introduction à l’Éthique à Nicomaque, Publications universitaires de Louvain, 1970.
Gilson Étienne, Introduction à l’étude de saint Augustin, 1928, Vrin, 4e éd., 1987.
Hamelin Octave, Le Système d’Aristote, Vrin, 4e éd., 1985.
Heidegger Martin, « Vom Wesen und Begriff der phusis », Wegmarken, in Gesamtausgabe, t. 9, Francfort, Klostermann, 1976 ; « Ce qu’est et comment se détermine la phusis », trad. fr. F. Fédier in Questions II, Gallimard, 1968.
Heidegger Martin, Der Satz vom Grund, 1re éd., Pfullingen, Neske, 1957, rééd. in Gesamtausgabe, t. 10, Francfort, Klostermann, 1997 ; Le Principe de raison, trad. fr. A. Préau, Gallimard, 1962.
Lottin Odon, « Le libre arbitre chez saint Thomas d’Aquin », Revue thomiste, 34, 1929, p. 400‑430.
Molina, De concorda gratiae et liberii arbitrii, Anvers, 1515.
Muller Robert, « Remarques sur la liberté grecque », Dialogue, 25, 1986, p. 421‑447.
10.1017/S0012217300020874 :Muller Robert, « La logique de la liberté dans La Politique », in P. Aubenque & A. Tordesillas (éd.), Aristote politique, PUF, « Épiméthée », 1993.
Nestle Dieter, Eleutheria. Studien zum Wesen der Freiheit bei den Griechen und in Neuen Testament, t. 1, Die Griechen, Tübingen, Mohr, 1967.
PL : Migne Jacques-Paul (éd.), Patrologiae cursus completus, series latina [Patrologie latine], 1844-.
Platon, Œuvres complètes, trad. fr. et notes L. Robin, Gallimard, « La Pléiade », 1950.
Pohlenz Max, Griechische Freiheit, Heidelberg, Quelle und Meyer Verlag, 1955 ; trad. fr. J. Goffinet, La Liberté grecque, Payot, 1956.
SVF : Arnim Hans von, Stoïcorum Veterum Fragmenta, 4 vol., Stuttgart, Teubner, 1903-1924, rééd. 1964 ; Stoïci antichi, Tutti i frammenti raccolti da Hans von Arnim, trad. ital. R. Radice, Milan, Rusconi, 1998.
Telfer William, « Autexousia », Journal of Theological Studies, t. 8, 1957, p. 123‑129.
10.1093/jts/VIII.1.123 :Thomas D’Aquin, Somme théologique, trad. fr. A.‑M. Roguet, Cerf, 1994, t. 1‑4.
Van Straaten Modestus, « What did the Greeks mean by Liberty? », Thêta‑Pi, 1972, p. 105‑127.
Notes de bas de page
1 D. Nestle, Eleutheria, p. 63‑64.
2 أفلاطون، "بروتاجوراس"، ترجمة عزت قرنى، القاهرة، دار قباء، ٢٠٠٣، ٣٤٥ هـ، ص ١٣٩.
3 Méditations, in Œuvres , éd. C. Adam et P. Tannery, t. 7, p. 57, 1. 21‑25.
4 Molina, De concordia…, 14, 13, 2 : « Illud agens liberum dicitur, quod positis omnibus requisitis ad agendum, potest agereet non agree, aut ita agree unum ut contrarium etiam agree possit ».
5 τὸ ἐλθεῖν ὅπου ἐρᾶ.
6 Hegel, Encyclopédie, 486 ; H. Arendt, La vie de l’esprit, t. 2, p. 33 ; A‑J. Festugière, Liberté et Civilisation chez les Grecs, p. 21 ; Max Pohlenz, Griechische Freiheit, p. 11.
7 Hannah Arendt, La crise de la culture, p. 189.
8 Hjalmar Frisk, Griechisches etymologisches Worterbuch, p. 490‑491.
9 Émile Benveniste, Le Vocabulaire des institutions indo-européennes ; voir aussi P. Chantraine, Dictionnaire étymologique de la langue grecque.
10 Benveniste, Le Vocabulaire des institutions indoeuropéennes, t. 1, p. 324.
11 Modestus Van Straaten, What did the Greeks mean by Liberty?, p. 108.
12 Ibid. p. 109 ; voir aussi R. Muller, Remarques sur la liberté grecque.
13 Martin Heidegger, Le Principe de raison, p. 162.
14 Ce qui est et comment se détermine la physis, p. 212.
15 Robert Muller, « Remarques sur la liberté grecque », p. 429.
16 Platon, Théétète, 173a‑b.
17 Robert Muller, « Remarques sur la liberté grecque », loc. cit.
18 Platon, Lois, I, 635d.
19 أرسطو، "السياسيات"، ترجمة أوغسطينس بربارة، بيروت، اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانيّة، ١٩٥٧، الكتاب ١، ٢، ١٢٥٢ ب ٣٢‑٣٣، ص ٨.
20 أرسطو، "السياسيات"، الكتاب ١، ٥، ١٢٥٤ ب ٢٢. ورد في ترجمة أوغسطينس بربارة، ص ١٦: "ولذا كان لغيره من قُسِم له من العقل مقدر أن يشعر بالعقل، دون أن يحرزه". (م)
21 Aristote, De partibus animalum, IV, 10, 686a 28.
22 أرسطو، "السياسيات"، الكتاب ١، ٥، ١٢٥٥ ب ٣‑٤.
23 المرجع نفسه، ترجمة أوغسطينس بربارة، الكتاب ١، ٥، ١٢٥٤ ب ٣١، ص ١٧.
24 Robert Muller, « La logique de la liberté dans la Politique », p. 193.
25 أرسطو، "السياسيات"، الكتاب ١، ٥، ص ١٣٩، ١٢٨٠ أ ٣٤.
26 المرجع نفسه، الكتاب ٧، ٢٣، ١٣٢٥ أ ١٩.
27 Platon, République, IX, 577d.
28 Platon, République, IX, 572e.
29 Platon, République, 579d.
30 Platon, République, 580b‑c.
31 Platon, Lois, IX, 875c‑d.
32 Platon, République, 591d.
33 Platon, République, 591e.
34 Platon, Timée, 47e‑48a.
35 Platon, Lois, I, 645a.
36 Platon, Lois, IV, 716c.
37 أرسطو، "الأخلاق"، ترجمة إسحق بن حنين، تحقيق عبد الرحمن بدوي، الكويت، وكالة المطبوعات، ١٩٧٩، الكتاب ٦، ٢، ١١٣٩ أ ١١.
38 Thomas d’Aquin, Somme théologique, I, q. 82, art. 1, obj. 2.
في هذا النصّ يفهم جملة أرسطو المأخوذة من كتاب "النفس" (٤٣٢ ب ٥) "ἔν τε τῷ λογιστιϰῷ γὰρ ἡ βούλησις γίνεται" على النحو التالي: "الإرادة في العقل".
39 Thomas d’Aquin, Somme théologique, I, q. 83, art. 4, obj. 1.
40 أرسطو، "الأخلاق"، الكتاب ٩، ٨، ١١٦٩ أ ١٧.
41 أرسطو، "الأخلاق"، الكتاب ٦، ٢، ١١٣٩ ب ٤‑٥، ص ٢١٠.
42 Thomas d’Aquin, Somme théologique, I, q. 82, art. 2, obj. 3.
43 Pierre Aubenque, La Prudence chez Aristote, p. 125.
44 كما فعل غوتيه وجوليف (R. A Gauthier et J.‑Y. Jolif) بالنسبة إلى الترجمة الفرنسيّة: décision.
45 كما ورد في ترجمة تريكو الفرنسيّة (J. Tricot): choix.
46 Aristote, Métaphysique, A, 10, 1075a 19‑23.
47 Aristote, De interpretatione, 18b 31sq.
48 Alexandre d’Aphrodise, De anima, liber alter, 169, 33‑172, 16‑175, 32.
49 Octave Hamelin, Le Système d’Aristote, p. 391.
50 Alexandre d’Aphrodise, Du destin, 11, 179, 10.
51 Epictète, Entretiens, IV, 1, 99.
52 Idem, IV, 1, 56.
53 René-Antoine Gauthier, Introduction à l’Éthique à Nicomaque, t. 1, 1, p. 252 sq.
54 Max Pohlenz, Die Stoa, Vandenhoeck & Ruprecht, 1970-1972, t. 1, p. 186‑188 ; t. 2, p. 95.
55 Antipater de Tarse, De officiis, III, 17, 71 : « Prudentia est enim locata in dilectu bonorum et malorum ».
56 Saint Agustin, De moribus ecclesiae catholicae, I, 15, 25 (éd. J. B. Bauer 1992, CSEL 90).
57 Clément d’Alexandrie, Stromates, V, 1, 3, 2.
58 Clément d’Alexandrie, Stromates, V, XIII, 83, 1.
59 Clément d’Alexandrie, Proairesis, V, I, 7, 1.
60 Saint Augustin, Contra Julianum opus imperfectum, I, 100.
61 Saint Augustin, Contra Fortunatum, 22, p. 103 (éd. J. Zycha, 1891, CSEL 25 ; voir aussi E. Gilson, Introduction à l’étude de saint Augustin, p. 185 sq.).
62 Saint Augustin, Johannis evangelium tractatus, XLI, 8, 10 (éd. R. Willems, 1954, CCL 36 : « Ecce unde liberi, unde condelectamur legi Dei: libertas enim delectate »).
63 Saint Augustin, De Trinitate, XV, 21, 41 (éd. W. J. Mountain, coll. F. Glorie, 1968, CCL 50).
64 Thomas d’Aquin, Somme théologique, I, q. 83, art. 4, obj. 1.
65 Thomas d’Aquin, Somme théologique, I, q. 83, art. 3 rép.
66 René Descartes, Principes, I, 389, in Œuvres, éd. C. Adam et P. Tannery, t. 5, p. 159.

Le texte seul est utilisable sous licence Creative Commons - Attribution - Pas d'Utilisation Commerciale - Pas de Modification 4.0 International - CC BY-NC-ND 4.0. Les autres éléments (illustrations, fichiers annexes importés) sont « Tous droits réservés », sauf mention contraire.
Armées et combats en Syrie de 491/1098 à 569/1174
Analyse comparée des chroniques médiévales latines et arabes
Abbès Zouache
2008
Fondations pieuses en mouvement
De la transformation du statut de propriété des biens waqfs à Jérusalem (1858-1917)
Musa Sroor
2010
La grande peste en Espagne musulmane au XIVe siècle
Le récit d’un contemporain de la pandémie du XIVe siècle
Aḥmad bin ‘Alī bin Muḥammad Ibn Ḫātima[Abū Ǧa‘far Ibn Ḫātima al-Anṣārī] Suzanne Gigandet (éd.)
2010
Les stratégies narratives dans la recension damascène de Sīrat al-Malik al-Ẓāhir Baybarṣ
Francis Guinle
2011
La gent d’État dans la société ottomane damascène
Les ‘askar à la fin du xviie siècle
Colette Establet et Jean-Paul Pascual
2011
Abd el-Kader, un spirituel dans la modernité
Ahmed Bouyerdene, Éric Geoffroy et Setty G. Simon-Khedis (dir.)
2012
Le soufisme en Égypte et en Syrie
Sous les derniers mamelouks et les premiers ottomans. Orientations spirituelles et enjeux culturels
Éric Geoffroy
1996
Les maîtres soufis et leurs disciples des IIIe-Ve siècles de l'hégire (IXe-XIe)
Enseignement, formation et transmission
Geneviève Gobillot et Jean-Jacques Thibon (dir.)
2012
France, Syrie et Liban 1918-1946
Les ambiguïtés et les dynamiques de la relation mandataire
Nadine Méouchy (dir.)
2002
Études sur les villes du Proche-Orient XVIe-XIXe siècles
Hommage à André Raymond
Brigitte Marino (dir.)
2001